مجد امرأة.. بقلم الاستاذ سعيد محتال
مجد امرأة
في ظل وقائع القصة التي تدور أحداثها بين نبيين جليلين إبراهيم الخليل ، وابنه إسماعيل الحليم عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، تختفي مظاهر عظمة امرأة أَمَة كان فرعون مصر قد وهبها لسارة زوجة إبراهيم عليه السلام،
أَمَة تأبى أن تحيا حياة العبودية لتتزوج من أعظم رجل ذلك الزمان نبي مرسل من رب العالمين فتهبه الولد الذي طال انتظاره، لتصير بعد ذلك أم لأجل وأعز ابن عرفه التاريخ بإسماعيل الذبيح عليه السلام ولا زالت وقائع طاعته وانصياعه لرغبة أبيه شاهد عليها التاريخ.
من كان يظن أن هذا الانصياع سيتم لولا تلك الأمَة العظيمة التي استجابت لرغبة زوجها للعيش وحيدة مع وليدها الرضيع في واد غير ذي زرع، منصرف عنها الى الشام من غير أنيس ولا رفيق ولا وسائل للاتصال ولا مصاريف للعيش. ورغم قلة الزاد وضعف الحيلة أرضعته نعيم الرضا وحسن الطاعة، تلك المرأة المؤمنة الصابرة المحتسبة لم تكن تتوقع أن زوجها سيتركها بهذا الوادي المهجور، ظلت تتمسَّك بإبراهيم لتمنعه من الذهاب وتقول له: يا إبراهيم، إلى أين تذهب وتتركنا في هذا المكان الذي لا أنيس فيه ولا زرع ولا ماء ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها، فاستفسرته بلطف قائلة " : (آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟! قَالَ (نَعَمْ!) قَالَتْ: (إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا)، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ البَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: رَبِّ ﴿ ... إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ إبراهيم: 370."
انصياع تام لأوامر الله دون التفكير في العواقب، فالله خير حفظا ، وهو الأرحم بعباده، هذا هو الايمان والاحتساب الذي أمرنا بالصبر عليه ، ونحن في هذا الشهر المبارك شهر التضحية والاستسلام طواعية لأوامر الله ونواهيه.
ما كان يحدث كل ذاك الفداء لولا تلك التضحيات التي قدمتها تلك الزوجة المخلصة غير المذللة ، المعينة لزوجها على طاعة الله، والأم الصبورة الرحيمة الراضية بقضاء الله وقدره التي كان لها الدور الكبير في تنشئة ابنها الصغير في غياب الزوج.
لننظر ولنتدبر في هذه الأيام كيف هذا المكان كان يغصُّ بالزائرين والملبِّين، والطائفين والمكبِّرين، والراكعين والساجدين، كيف له أن يعود إلى حاله الأول ليذكرنا بأروع قصة إيمان عرفه هذا المكان في عهد هذه المرأة التي أبت أن تظل متلبسة بثوب الرق لتعلمنا دروسا سجلها التاريخ بكل فخر واعتزاز ليظل شاهدا لها على دورها النبيل في حفظ الأمانة الزوجية والاخلاص لرجل تركها وحيدة دون ماء أو زاد ، لم يرو عنها أنها تدمرت أو حقدت على زوجها النبي الخاشع الخاضع لربه، ليكون لزوجها وابنها بعد ذلك فضل السبق في بناء البيت المحرم وهما يرفعان القواعد من البيت ، نسمعهما يقُولان : ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ﴾ البقرة 127.
كان أصعب امتحان مرت به هذه الأسرة الحكيمة اختبار مس الثلاثة معا ليقدما بذلك أروع أسرة، تجانس تام في المواقف والمشاعر. وقد تزينت هذه الأسرة المباركة بمولد خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم إذ يصل نسبه الشريف لإسماعيل عليه السلام.
فاللهم ارحمها وارحم أمهاتنا جميعا.
سعيد محتال
Commentaires
Enregistrer un commentaire