قيمة العفو في حياة الإنسان... سعيد محتال

 قيمة العفو في حياة


الانسان 

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟"، قَالَ: "قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ [كَرِيمٌ] تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي".سنن الترمذي

فاللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنّا.

العفو مصدر عَفَا يَعْفُو عَفْوًا، فهو عافٍ وعَفُوٌّ، والعَفْوُ هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله المـحو والطمس، وعفوت عن الحق: أسقطته، كأنك محوته عن الذي عليه.

 لسان العرب / ابن منظور (15/72)،

والعفو اسم من أسماء اللَّه الحسنى الدال على سعة صفحه عن ذنوب عباده مهما كان شأنها إذا تابوا وأنابوا.

أما العفو في الاصطلاح: " هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب " .

 لأن العفو يقتضي إسقاط اللوم والذم ولا يقتضي إيجاب الثواب، ولهذا يستعمل في العبد ، لذا نقول لشخص لقد عفوت عنك ، ولا يجوز أن نقول غفرت لك لأن الغفران من حق الله وحده ، قال تعالى: ( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور: 22.

وقد حث الاسلام الناس للاسراع الى التحلي بصفة العفو لما لها من أثر ايجابي في حياة المجتمع ، كما كان الشأن مع صفح وعفو أبي بكر رضي الله عنه عمن أساء لابنته عائشة رضي الله عنها وهي حين ذاك زوجة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام.

ورغم ما قيل في حقها وفي حق بيت النبي الكريم أسرع الى العفو عمن كان يعوله طمعا في نيل مغفرة الله سبحانه.

قال تعالى: ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران: 133.

والعفو أبلغ من الكظم لأنَّ العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء، وهذا لا يتأتى الا من تحلى بالأخلاق النبيلة.

 ولهذا فمن عفا فأجره على الله قال تعالى: ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) الشورى: 40.

فالعفو من شيم الكرام، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله." رواه مسلم في صحيحه.

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا رسول الله! كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام، فصمت، فلما كان في الثالثة، قال: ( اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة)." رواه أبو داوود والطبراني.

ففي العفو رحمة بالمسيء، وامتثال لأمر الله، وطمعا في عفوه وغفرانه ، كما ان ذلك يحد من الأحقاد ، ويقوي الروابط الاجتماعية، وجلب الراحة النفسية ،

لذا ، العفو لا يقدر عليه الا من سمت نفسه وتخلت عن الأحقاد وابتعدت عن الزلات لاستشعارها بعظمة الله وقدرته على تعويضها بخير مما توده.

فبالعفو يرتقي المجتمع وتتماسك وحدته.

قيل لأبي الدرداء: مَن أعزُّ الناس؟ فقال: (الذين يعفون إذا قدروا؛ فاعفوا يعزكم الله تعالى).

وقال الفضيل بن عياض: (إذا أتاك رجلٌ يشكو إليك رجلًا، فقل: يا أخي، اعفُ عنه؛ فإنَّ العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمِل قلبي العفوَ، ولكن أنتصر كما أمرَني الله عزَّ وجل فقل له: إن كنتَ تُحسِن أن تنتَصِر، وإلا فارجع إلى باب العفو؛ فإنه باب واسع، فإنَّه مَن عفَا وأصلحَ فأجره على الله، وصاحِبُ العفو ينام على فراشه بالليل، وصاحب الانتصار يقلِّب الأمور؛ لأن الفُتُوَّة هي العفوُ عن الإخوان) .رواه أبو نعيم في (الحلية) (8/112).

وكان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس صفحًا، تلقى من قومه الأذى وطردوه، ولكن عاد ليعفو عنهم وكأن شيئًا لم يحدث، قائلا لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء، وهم اهله الذين كانوا يتمنون موته وقتله، ولكنه قابل السيئة بالحسنة قائلا لهم: " فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف صلى الله عليه وسلم: ( لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين) يوسف:92

وقبل ذلك اعترض على معاقبة اهل ثقيف الذين سببوا له أذى كثيرا إلا أن قال: " ... بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا." جزء من حديث شريف رواه مسلم.

كما سلك الصحابة رضوان الله عليهم نفس الطريق، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى."

وقد سبق أن ذكرنا عفو أبي بكر رضي الله عنه عن مسطح بن أثاثة الذي كان يعوله كأحد من أفراد عائلته..ففضل ان يعفو عنه رغم ما قال في حق ابنته، رجغبة وطمعا في عفو الله سبحانه وتعالى.

ونختم الموضوع بنموذج من عفو السلف الصالح الذين تربوا على خير من سبقوهم بالإيمان من الصحابة الكرام:

يحكى عن مصعب بن الزبير" أنه لما ولي العراق، جلس يوما لعطاء الجند، وأمر مناديه فنادى، أين عمرو بن جرموز؟ وهو الذي قتل أباه الزبير، فقيل له: (أيها الأمير، إنه قد تباعد في الأرض. فقال: أوَ يظن الجاهل أني أقيده بأبي عبد الله؟ فليظهر آمنًا ليأخذ عطاءه موفرًا.) "

قال تعالى : ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُم.) البقرة: 237

فاللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.

سعيد محتال

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

رائعة الروح/للشاعر ...... أسمهان سعيد✍️

رائعة/كيف_تُسالِمُ_قاتِلَكْ/للشاعر المتمكن متولي عيسىٰ

دراسة نقدية وتحليلية لقصيدة "مرثيّات الأرق" للشاعر سعيد هجيري موسى