......المرأة في حياة الأدباء الحلقة الاولى " فيكتور هيجو ".. د. عبدالرزاق كيلو

..................................المرأة في حياة الأدباء 

                                         الحلقة الاولى 

                                       " فيكتور هيجو " 


المرأة الإنسان... المرأة الأثير الدانف بالحب... المرأة الهيولى المتشققة عن نبع الحنان.. المرأة صاحبة الرسالة الإنسانية و الحضارية المتفجرة أنوثة و رقة و عطفا.. المرأة التي لا ترضى لنفسها أن تكون مجرد مستودع جنسي يقذف فيه من يشاء من الرجال شحناته الثائرة... المرأة التي _ كما قيل _ تهز المهد بيمينها و العالم بشمالها المقدسة بقداسة الملائكة الأبرار التي تعطي من حبها و حنانها عطاء السماء للأرض درة نعيمها مدرارا.. هذه المرأة الشكيم الشكور الصبور... لعبت دورا بارزا في حياة الأديب العالمي " فيكتور هيجو " الذي كان الحب و المرأة... هما الخيطان الداعمان لنسيج أدبه الباحث عن الحق و العدالة في الحياة الإنسانية. 

فيكتور هيجو... الذي اعترف له الفرنسيون بالفضل و الحسنى 

و تهافتوا على تعظيم أدبه بإجلال بالغ التقديس إلى الحد الذي لم يستنكفوا فيه عن جمع مناقبه و أخباره و رفع التماثيل له.. و اتخذوا داره متحفا أطلق عليه اسمه جمعوا فيه متاعه و أثاث بيته و كل ما له أدنى علاقة به.. و لا أضاعوا له قلما و لا دواة و لا ورقة من أوراقه حتى تلك التي تعلم فيها في أيام طفولته المدرسية.. حتى لم يفرطوا بالكيس الذي جمع فيه أول دخله من النقود ...

شهرة فيكتور هيجو ... طارت في آفاق العالم الأرضي.. و جابت البلدان و الأمصار... تطرح سؤالها على العالمين جميعا.. : أين العدالة في قوانينكم أيها الناس..؟ ؟ ؟

 نعم... لم يكن لهذا الأديب الذي شغل أهل الأرض بأدبه الجم إنصافا للفقراء و المظلومين اكتساب القدرة على الطيران و التحليق في سماء العقول البشرية لولا ذاك الحب المترع بالحنان و الشفقة و الاعتبار لمخايل الطفل النجيب الذي أدركه في طوق طفولته المتفجرة بالإبداع من أمه " ماري " 

و لولا ذلك الحب المتطلع نحو غياض الجمال و رقة الفكر و الروح و تنامي الشعور بالفرح الذي هطل عليه كالغيث بماء الإبداع من جهة محبوبتيه " عادلة " و " جورجيت " 

و ليس بدعا من الأمر.. حديثنا عن أثر المرأة في أدب فيكتور هيجو و حياته.. و مدى انعكاسه على أدبه عبر زاوية منفرجة و منفتحة على أداب الأمم و ثقافتهم.. متطلعة إلى حياة إنسانية _ ما تزال رجاء الأدباء و المفكرين _ تسودها المحبة و العدالة و الرحمة و يعمها السلام النفسي و الاجتماعي قبل السلام السياسي و العسكري. 


1_ المرأة الأم ( ماري ) : 


لعل " فيكتور هيجو " أول ما لاقى الحب و شعر بوجوده الصحي للروح و للفكر معا... و شم رائحة عطره الإنساني الذكية.. و امتطى جواد قلبه مسابقا شعوره يعدو نحو اكتمال هذا الشعور بالعاطفة الأرقى قبيلا... و الأشمل رحابا تشاركه قلبه نزوعا نحو مراقي الفرح و السعادة. 

أجل... هيأت له أمه المدام " ماري سسيجسبر هيغو " مهد الشعور بالحب العذري.. هذا الشعور الذي كان إكسير الإبداع منذ صغره و أصبح فيما بعد به حديث الناس.. و أنس مسامراتهم في لياليهم المبتهجة بالفكر و الأدب. 

فعندما تربع نابليون بونابرت على عرش فرنسا و عين أخاه " يوسف بونابرت " ملكا على نابولي ثم أسبانيا ... و حيث أن " سسيجسبر هيغو " كان ضابطا في العسكر الفرنسي و مقربا من يوسف بونابرت رافقه مصطحبا معه عائلته المدام " ماري " و أولادهما " أبيل و أرجين و فكتور " ... فكتور كان أصغرهم.. فارتبطت حياته منذ الصغر بالحل و الترحال. 

و عندما حاز والده رتبة متقدمة في الجيش الفرنسي استقر بفكتور المقام في دير " فيليانتين" بباريس بجوار مدرسة الطب العسكري يقال لها: " دوغواس " و هي قرية من البانتيون.. زجت به أمه مع أخويه إلى راهب ضليع بالأدب اللاتيني ليقرأ عليه أسفار " فرجيل " .. ثم قرأ مؤلفات " فولتير " و " روسو" و مؤلفات السائح " كوك " ... و رفضت أمه أن يسلك كأخيه الأكبر " أبيل " في خدمة جيش الملك لما استشفت فيه من سمات الذكاء و النبوغ و حب الأدب و الكتابة. 

و تشاء الأقدار أن تألف أمه عائلة " فوشر " رئيس نظارة الحربية في قصر الملك... فكانت مدام " فوشر " تكثر التردد على عائلة " هيجو " و معها ابنتها الصغيرة " عادلة " أو " أديل " بالفرنساوي... فربطت بين فكتور و عادلة علاقة عاطفية منذ الصغر. 

هنا... نستطيع تكريس دور أمه في نبوغه الأدبي عندما مكنته من القراءة.. و وفرت له الجو المناسب الذي يرضي تطلعه نحو عالم الأدب و الفن... و من ثم وقوفها إلى جانبه ضد رغبة أبيه لتوظيفه في السلكك العسكري... بيد أن الأم وفقت بين رغبتها و رغبة الأب بدفع ابنها إلى مدرسة " لوغران " للفنون الحربية... و هنا أقبل فكتور على تحصيل العلوم الرياضية إلى جانب مطالعته في كتب الأدب و الثقافة مما مكنه من جمع معاني ذلك كله في الذهن ثم إفراغه في قوالب شعرية و ألفاظ نسجها بتخيل مرقوب بين المسائل الرياضية و تصور المعاني الشعرية... و ما فتئ يردد مقالته الشهيرة التي تعلمها من أمه منذ الصغر: " أن الكلمة كائن حي فاعلموه " .

إن هذا الشوط الطويل من أيام طفولته حتى صباه ينهل فيه و يعطي من ثمار تفتحه على الإبداع يعود الفضل فيه إلى أمه المثقفة الواعية التي لاحقت خيال طفلها المتفتح على المعرفة خطوة خطوة أملا في أن يصبح في المستقبل من ذوي الشأن في الثقافة و الأدب... ربما هذه المعاملة الطيبة التي رافقت فكتور و نمو ه العقلي و الجسمي أظهرت له قدراته الخاصة فيما بعد على التذكر و استنساخ العلاقات الاجتماعية و الربط بينها و بين أبطال رواياته و أعماله الأدبية.. و كذلك على نموه العاطفي و اهتمامه بالجنس الآخر مع إحساسه بالإنتماء إلى مجتمه و وطنه و هي نزعة ظهرت بوضوح في أعمال فكتور هيجو و أشعاره الوطنية و أولها " قصيدة العامود" حتى باتت أعماله و آدابه موضع تقديس الفرنسيين و إعجابهم. 

نعم.. أمه التي لاحظت اهتمام ابنها بالشعر و الأدب.. كانت تقرأ باهتمام ما يخطه بقلمه على دفتره المدرسي( أريد أن أكون شاتو بريان أو لا شي.) .... !  

فوقفت إلى جانبه و هو يخوض أول مسابقة شعرية أعلنت عنها الأكاديمية الفرنسية و هو لم يزل عمره 15 سنة فنظم 320 بيتا عن فوائد المطالعة و القراءة... حينها لجنة التحكيم استحسنت شعره و لكن استصغروا سنه و ظنوه سارقا فلم يعطوه الجائزة و اكتفوا بتدوين اسمه في سجل الشعراء.. و بعد سنة منها تمكن من شق طريقه في عالم الإبداع.. عندما فاز بجائزة الشعر عن قصيدته " عذارى فيردون " و هي قصيدة غزلية تشبب بها ببنات عصره واصف جمالهن .

غادرت الأم الحياة الدنيا عام 1882 مطمئنة روحها على مستقبل ابنها فكتور... و خلف موتها حزنا عارما بالمواجع و الآلام لديه... و من شدة وفائه لأمه رفض العيش في منزل والده الكبير مع زوجة الأب الجديدة.. و انتقل يعيش لوحده في منزل صغير في أحد أحياء باريس الفقيرة مؤثرا حياة الفقر و البؤس على حياة الترف و الجاه و النعيم .

و هكذا... إن التداعيات الاجتماعية و العاطفية التي مر بها فكتور إلى جانب أمه أضفت على أدبه الشعور بالكبرياء مستعظما انتمائه لوطنه و لمجتمعة.. فالتربية المكثفة المرسومة التي وفرتها له أمه ساهمت لديه في تكوين فكرة عن ذاته بداية... هذه الفكرة التي وجهته الوجهة الصحيحة في حياته المستقبلية... فالحاضنة الفكرية و الاجتماعية التي أشادتها له أمه بلورت له ملامح انتماء جديد للحياة الإنسانية بعيدة عن السعادة الاصطناعية التي يتشبث بها أبناء المترفين و الأغنياء عادة .. فأخرجت به من طور الكلاسيكية التقليدية المعهودة التي تعتمد على تلقين المعلومات إلى طور الرومانسية المتماوجة بالحب و الإبداع التي أكسبته مهارات فكرية و اتجاهات شعورية جديدة صبغت أدبه فيما بعد بالطابع الإنساني الأصيل الباحث دوما عن العدالة و المساواة و حقوق الإنسان.

                                                                  ( يتبع ) 


بقلم 

د. عبدالرزاق


كيلو 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

رائعة من روائع/ابن سورية/للشاعر /د جمال إسماعيل الجمهورية العربية السورية

من روائع المحاكاة للثنائي / الشاعر/علي عبود المناع /والشاعر/خالد محمد إبراهيم

رائعة من روائع/ "مذاقُ الجوى"/للشاعر المتمكن/ نظام صلاح/ فلسطين