رسالة الى جيل لم يولد.. بقلمي_حسين_حطاب

 رسالة الى جيل لم يولد

...أعرف أني أكتب كل يوم وكلماتي مخيبة للأمل وكالفاشل في تاريخ التأليف وأحلم بإصدار جديد ربما لا يرى النور لا يتعدى الحدود .

...أعرف أني أكتب لجيل جديد ...جيل سيدرك كم ظلمت في حقبة طغى فيها التهميش والاقصاء احتقان الفكر و الحسد .

... وكلما أرسم حروفي أسأل نفسي ...لمن أكتب ؟...والى أين تقودني كتاباتي ؟ ...والى أين تسافر الحياة بي ؟ ...وما الذي يخبئه الفكر لنا ؟ ...إنه يتلف أشياء الوجود ويفقد مهجتها ويسير بنا نحو الإحباط والانكسار .

...إنني أتحلل سأما وكآبة لولا قلمي وأوراقي هذه أرسم به الواقع من جديد ...كل الكتابات تصبح ماضية جامدة متعفنة بعدما يبللها الزمن بالكدر والغموض ...ماذا أفعل ؟ ...أريد أن أنشئ حروفا وكلمات جديدة لم يعهدها البشر في الكتابة والقراءة التي تعود عليها الانسان كل يوم.

...كل الألفاظ القديمة لها وقع بائس وحزين في قلبي هل هي كذلك في الكتب والقواميس أم أن عقلي مريض يتوهم البؤس والحرمان ؟ ..ها أنا أسخر خيالي وابداعي لتدوينها كما ألهب الجمر المستوطن فيها .

...في كبد الحرمان وقلب الحزن وموطن المأساة هناك كلمات من السعادة أريد لحروفي أن تلحنها بنعيق الغربان في حقول الفرائس المتعفنة وأغصان الأشجار العارية الملتوية وحتى خطوات المزارعين التي ترسم البؤس.

ثمة سعادة ما أود أن أمسكها بالحرف والكلمة ...وهناك فرح أتوق للقبض عليه بالقلم والورقة .

...للنصوص السجينة خصوصية فنية تسمو فوق كل شيء قد لا نعثر عليها في النصوص الجميلة وبصيرة الفنان قلما تخطئ.

البارحة كتبت سيرتي الذاتية ....وكلما أتصفح مواضعي الماضية الجامدة أخاطب نفسي قائلا : تبا لك وسحقا لأوراقك المتعفنة ...يا نفس حسين البلهاء ...لماذا هذه البلادة ألا تتجددي وتسايري ركب الواقع ؟ 

أبعثر أوراقي وأخرج ... واليوم كتبت بأسلوب مغاير لا كما يريده الأخرون بل كما أريده أنا .

...سيجارتي تشتعل والتبغ يحترق واللون الأبيض ينبثق من اللون الأحمر متصاعدا للأفق يكون غمامة يأس غير ممطرة والحياة يتسرب منها ليل أسود قاتم له طعم مر بالعادة نترقب قدومه ونألفه ونستقبله بالتصافح والعناق ثم ندمنه كالهواء تماما ولأجل ذلك أنتظر بروية مصيري المجهول فيه ..المليء بالإخفاق ...أبدا لن ينتهي البؤس والحرمان لا حدود له.

...سهر طويل بلا قرار وكتابة بلا توقف وذهن شارد يبحث عن الهدوء والاستقرار ...كانت عباراتي في الأوراق باردة أرى أنها لا حاجة للغير بها ...أمسكت النار ...أعني عود الثقاب وأشعلته ...يبدو أن الليال الفائتة الطويلة أرهقتني واخلطت حساباتي وكل الأمور بين حلمي خارج الواقع وداخله وبين حياتي في المدينة البائسة والقرى اليائسة المحيطة بها...اذن ماذا سأجني من تلك الأوراق المكدسة الملحفة بالحزن ؟ ...رميته فوق أكوام الذكريات الماضية الحاضرة التي لم تنتبه لقيمتي وحسبت أني أعشقها.....

...لا يهم فليتكدس العمر كله مع بعضه ...اليك الذكريات أيتها النار المتوهجة احرقيها ....الآن يمكنني أن أهنأ وأسعد واخلو بوحدتي في عالمي الخاص الذي ربما ولد معي .

...أيها القلم كنت تتحدث بلساني وترقص على صدر الورقة وتداعب وجهها الناعم وكنت أسمع وأرى بمدادك مسار حياتي ...فعذرا لصبركما معي وهل تسمعانه وانتما باللون الرمادي المنتشر في حقول الغربان.

..أقف متأملا وأحيانا أجلس مفكرا متسائلا عن أحوالي وكيف أمضي أيامي اني أشعر بها تحت ركام الفوضى أسمع صوتها ينادي الذكريات المفرحة المحزنة التي ركبت السفينة وأطفأت المصابيح وأبحرت دون وجهة ومواضعي المتنوعة الدامعة تئن عبر صفحات الأسى كأنها تتعاطى المهلوسات .

أحدث أخي القارئ ...فعلا أن العالم تقدم به العمر وصار هرما عاجزا وتغيرت ملامحه ولاح وجه موضوعي هذا شاحبا كأن معارك الرداءة تطارده .

...أيها القدر إن الليل طويل وشاق وإن الوحدة العذراء تكسر عظامي ولباسه رث به ثقوب يتسلل من خلالها برد قارص يلفح جسمي النحيف العليل ...يا إلهي هل باستطاعتي تفجير هضبات الانكسارات وتدمير جبال الاحباطات قبل أن ينسلخ الظلام من جلده فوق قمم الروح.

القلم والورقة ينظران إلي و عينايا دامعتان وهما مطروحان وبصري وسمعي السادسان يتمددان وينقبضان للمسك باليراع ...وأنا في مستنقع القنوط أهيم ...وبسرعة أدركت وضعي وهممت أرسم وأخط هذا الوابل من التعبير ...ربما أراها واضحة المعاني وترونها بدائية الدلالات .أريد أن أعيد الكلمات إلى طبيعتها الأصلية كما لو أن الكون انبثق من قشرة الوجود الأولى.

...إني أذكر كان عمر العنفوان جريئا لا يهدأ يبحث دوما عن الجديد في منتصف الليل وبعد الفجر تعلوه البسمة ،نسلك الطريق الشاق الطويل المظلم لا نلتفت للوراء نسابق الخطى لا نشكو العياء كي تبلل عقولنا بإبداعات الكتاب والشعراء.

..آه من رائحة الكتب المستيقظة على الرفوف عندما كنا ندخل المكتبات لنتمتع بإلهام العظماء ونغوص في أعماق الكلمات ...، كنت مقيما في أعماق الكلمات أراقب كل الإصدارات الجديدة المختلفة العناوين ، تسكنني لهفة ويغمرني الابتهاج لما أشاهد خلية العاملين يرتبون الكتب في مواقعها ولما يهوى عنوان على حين غرة يرتعش صدري قبل ان يصل الأرض فأقوم مسرعا مذعورا وأحمله وأضمه بين ذراعي ...ولما توارت عني عبقرية المؤلفين أتدرون ما تركت .....تركت في أنفي رائحتها المميزة التي طالما اشتقت إليها ....فهل تعود ؟....منذ تلك السنوات وأنا أحس برحيقها لم يفارقني الى اللحظة ....منذ وقت بعيد ما زلت أشعر بأن فرحا سيغزوني لو أن ثقبا من ذكريات الشباب انشق في صدري لتتدفق السعادة ليعود معها الاعتراف والإبداع ...يا لقوة النصوص في غير زمن النقل والإلصاق.

...أيها الحرف الحزين والرديء يا أنا ....إني كامن في شوك الزهور اليابسة وأفنان الأشجار العارية وحقول الفرائس النتنة ....أيتها الفكرة اللعينة امتصي من شعاع الأفق المزين بالنجوم ذاك الحزن المسيطر على نصوصي الأسيرة .

...أحملق محدقا في نور الشمس اللافحة حيث تتجلى عظمة الكون حتى تشتعل بواصري لهبا .

...أشياء تنهش روحي ....التحديق في كوكب مشع والتفكر في عزلة ضارية والامتناع عن ذكر الماضي .....أريد أن أهرب من مدينتي من قريتي وان أرحل للأبد ...أريد أن أعتزل الإسمنت والعيش في البراري وأن أسافر الى الأفق الى اللا حدود حيث القمر والنجوم وهذا العليل البائس جسمي يعرقلني ! 

...متى نمضي قدما نشق كل المتاهات و نخترق الحواجز تاركين رماد الذكريات وأطلال المآسي خلفنا حاملين الدموع فوق شواطئ أكفنا ولكن هل من ملاذ نمضي إليه ؟ ...الى حلم ضاع ربما نجده أمامنا .

...في فجر الأمس كتبت سيرتي الذاتية بحبر الحزن بعدم أقامت المأساة في روحي ...وكانت المعاناة الصامتة تزداد نموا عل صفحة مساحة رأسي والهموم تنقر ذاكرتي و البؤس يكبل الحلم و النواغص تبعثر الأحلام ...فيا لدموع قلم ارتشفتها أوراق الندم ونصوص صارت رمادا مبعثرا في شبه مدينة هالكة .

...لا أظن أن هذا الوجه القبيح يوما ما سيكون له شأن في التأليف.

#بقلمي_حسين_حطاب


Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

رائعة من روائع/ابن سورية/للشاعر /د جمال إسماعيل الجمهورية العربية السورية

من روائع المحاكاة للثنائي / الشاعر/علي عبود المناع /والشاعر/خالد محمد إبراهيم

رائعة من روائع/ "مذاقُ الجوى"/للشاعر المتمكن/ نظام صلاح/ فلسطين