قالوا: الحب اعمى.أحمد علي صدقي/المغرب

قالوا: الحب اعمى.

كلما قرأت هذه العبارة تساءلت: هل الحب هو الأعمى أم الأعمى هو ذاك الذي مارس الحب بعمى؟

لا شك أن الأعمى هنا ليس هو الحب، وإنما هو ذاك المحب الذي سقط في شراك قناص تنكر له في صفة محب فابتلع الطعم. فأصبح يلوك عبارة "الحب أعمى" ليبرر موقفه السخيف لمن أدركوا حماقته.

عبارة "الحب أعمى" هي مجاز واستعارة يعيش بها الكثير ممن غرر بهم. وما هي إلا تبرير سخيف لمن وقع في حبال غباوته و سخافة عقله...

من يبدأ حبه للآخر بلا تعقل وبحث، فهو الاعمى حقا. تراه كلما تفقد حاله ووجد نفسه قد غرر به ردد رنة "الحب أعمى". يا ليته قال: أنا المحب الأعمى.. فما وقع فيه هو تغاب وتغاض منه وذوبان في الآخر بلا اطلاع على سلبياته وطبعا مصير هذا هو الفراق وردة فعله هي الشقاء والاحساس بخيانة من تركه وبدله بآخر. علاقته بهذا ألآخر كانت غير عقلانية فلن تنتج إذن ارتباطا دائما ولا حبا بصيرا فسريعا ما يحل الخريف في هذا العالم الوهمي وتسقط وريقات الحنان و تتفتح العيون فيتلاشى العمى ويظهر الحقد بدل الحب.. ففي مقولة الحب اعمى تختبئ الخيانة. 

أصل عبارة: "الحب أعمى"، هو لشكسبير في مسرحيته #تاجر البندقية# جاءت على لسان احدى الشخصيات وهي جيسيكا التي أرادت تبرئة نفسها لما فرت مع من أحبته (اقرأ المسرحية). 

أرى، وهذا رأيي الخاص، أن من بين الاستعارات التي نعيشها و نستعملها للتبرير لغباوتنا في عدم التوفيق وفهم الحب، هذه القولة. فهي لا تتمشى مع مفهوم الجمال الفطري والفلسفي التي تتجلى معانيه في خلق الله الذي أبدع جمالا لا يضاهيه جمال؟ الحب ليس حسيا ماديا حتى نفقأ عينيه ولكن من يحب هو شخص يحس بنفسه وله ذهن يفكر به فإن أحب بلا تفكير فلا يلومن قلبه ويصف الحب بالأعمى. الحب احساس معنوي نحن من نطعم به قلوبنا لكي نشعر بجاذبية اتجاه من ارتاحت له حواسنا.

الأعمى ليس هو الحب ولكن الأعمى هو من يبحث عن تبرير فشله في الحب، لأنه أحب في لحظة ما بدون تعقل. 

الأعمى ليس هو الحب ولكن الأعمى هو من رأى خصلة إيجابية واحدة في من وقع عليه نظره فاكتوى بالنظرة و وقع في حبالها فهو الأعمى وليس الحب. لو كان الحب أعمى ما عزف أجمل الالحان على أوتار قيثارة القلوب. وكيف لأوتار قيثارة بيد أعمى أن تنساق بين أنامله وتتلاءم لتنتج الحانا تجعل المحب يحلم في يقظته. سعيدا في ليله ونهاره. دائم الشباب، شابا حتى في شيخوخته...

الأعمى هو من ركز تقييمه على الصفات الإيجابية لوحدها لمن أحب دون الأخذ بعين الاعتبار الصفات الأخرى. فتقييمه مشوه و عفوي وحبه ظرفي ولن يدوم أبدا. من يريد أن يحب و هدفه دوام حبه، عليه بالنظرة الثاقبة لصفات وسلوكيات من يريد محبته حتى لا يندم حيث لا تنفع الندامة. بلا نظرة ثاقبة قد يحب وهو لا يدري من له صفات قد تكون في نظره هو عيوبا. أو ربما أحب بارعا في التمثيل تقمص أمامه صفة جميل ناق من السلبيات ليصطاده وهو شريرا متعجرف في حياته. لحظة العفوية ستنتهي والعشرة الطويلة ستكشف ما اختفى من الصفات الاخرى وتقع الكارثة. وهي الخصومة و الفراق أو الطلاق لمن تسرع في الزواج... 

الحب الأعمى يفتك بالسعادة, وعماه هو هذا التقييم المشوه والعفوي الذي أساسه ركيزة واحدة أو أثنان أو صفة إيجابية واحدة أو صفتان. العشرة الطويلة ستبدل لاحقا الظنون بصور واقعية بناء على اكتشاف معلومات جديدة عن المحبوب فتقع الكارثة التي تكون هي الفراق واصعبها هو الطلاق...

 الحب الصحيح ليس أعمى بل إنه يرى أكثر من غيره، لكن من شيمه تجاهل بعض السلوكيات السلبية الطفيفة و الانفعالات الحساسة لكي يتجنب الوقوع في الأسوأ فيتركها تتلاشى حفاظا على المحبوب... 

الحب جميل ولن يكون جميلا قطعا إذا كان أعمى. ما هو جميل يكون كامل الصفات ولن نرى جمالا في حب قد افقدناه بصره. افقدناه عينيه التي هي النوافذ الوحيدة لقلب من المحبوب..

الحب الحقيقي يولد ثاقب النظر. الحب الحقيقي دائم النظر فهو لا ينام وعندما تنام كل العيون تظل عيونه ساهرة على المحبوب. الحب جميل الوجه يعرف أصحابه. فإن أمسى أعمى فلا بد أن أحدا من المحبين هو من فقأ عينيه أو ربما كلاهما. إن كان واحد منهما فالأمر خطير لأن هذه علاقة تفوح منها رائحة الغدر. وإن كانا هما الاثنان قد اتفقا على فقء عيني حبهما فهما جانيان و عقابهما نزع الحب من قلبيهما الى يوم القيامة.

الحب يزداد بعينين جميلتين يرى بهما من هما فيه يرغبان. 

الحب يكره الخيانة ويحب الثقة المتبادلة

الحب يكره النبش في الماضي ويحب التنازلات من الطرفين. 

أحمد علي صدقي/المغرب


 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

رائعة من روائع/ابن سورية/للشاعر /د جمال إسماعيل الجمهورية العربية السورية

من روائع المحاكاة للثنائي / الشاعر/علي عبود المناع /والشاعر/خالد محمد إبراهيم

رائعة من روائع/ "مذاقُ الجوى"/للشاعر المتمكن/ نظام صلاح/ فلسطين