- أثار جانبية/ - مقال سابرينا سليمان

- أثار جانبية 

- مقال سابرينا سليمان


 


---- في هذه الأوقات العصيبة الضيقة .. هل سألنا أنفسنا قليلاً لو كنا نحن مكانهم !؟ بعيدا عن السباقات المحمومة وفتحنا أعيننا على هذا الوقت المضطرب المجنون ، الذي نشعر فيه ببعض الرضا أحيانا .. أننا وبالعودة إلى التفكير ، حتى لو لم يكن ذلك اختيارنا .. هكذا بين صراخ الأطفال ، دعاء الكبار ، أصوات سيارات الإسعاف و رجال الإنقاذ .. بين الأقنعة والقفازات ، بين الخوف والغضب .. رؤية الملفات المتراكمة مذعورة في إداراتها المشوشة ... في هذه الأوقات الضيقة ، هل بالإمكان المساءلة .. بل مجرد أن نسأل أنفسنا أسئلة .. من المسؤول !؟ وما ذنبنا !؟ ونحن نتابعهم متابعة البلهاء من وراء شاشة تحدنا عنهم وتمنعنا من أن نلحق بهم .. حدودا من أسلاك شائكة صنع خيالنا ، خوفنا وانعدام الثقة في أنفسنا ... 

---- فماذا لو كان لهذا الزلزال مزايا أخرى كثيرة ومتنوعة وليس المختزلة مهاجمة أجسادنا الضعيفة ومحاصرتها أو الإجهاز عليها .. بل محاولة منه إعادة بصرنا ثم بصيرتنا إلى رشدها عمق النظر وأنماط حياتنا التي أصبحت (ضارة) .. كوضعنا على واقع أصح في اختياراته .. إن كان علينا إنقاذ حياتنا ، بالبقاء للعيش أو المكوث تحت الأنقاض .. لربما أسعفنا القول ، كوننا أخيرا تركنا الأرض تستعيد ما أخذناه منها .. فالطبيعة - كرهنا أم أحببنا - لتجعل قانونها مجرى السريان .. من خلال استعادة (حقوقها) ... ولربما - وهذا غير بعيد - انتقاما لكل الضحايا المتواجدين بين مخالب وحوش تواجدت خصيصا لصنع وإفشاء الظلم ، الغطرسة والاحتقار !؟

---- وهل ستكون مجرد صدفة إن كان هذا الزلزال وبكل هوله قُدِّر له ليفتح لنا باب الحرية ولِمَ لا باب الجنة بكل النعيم .. وهل الزلزال فعلا اختير له أن يهاجم الأطفال ، ولا يؤثر على من كان السبب .. ولِمَ لم يهاجم الجبال العالية ، الصخور القاسية والجسور المعلقة بعيدا بكل العناية .. هل لأن البنيات لا تحمل نفس (الجينات) ، أم أنها أهلت نفسها دون غيرها فاستغنت عن مادتي الحديد والإسمنت !؟ 

---- لا بد أن نجزم جميعا .. الدعاء الذي يعم الشوارع ، المساجد ، الكنائس وقبلُ القلوب التي تنبض إنسانية ممن بكل الحب أحبونا لنجدها كلها مختزلة في الخوف الذي طالما أدان و يدين تقاعسنا المذل وتجاوزاتنا الأكثر إذلالا .. ومع ذلك لتظل المنقذة الأخيرة للأبرياء .. رغم ما أصبح عليه هذا العالم البالغ من التحضر عتيا .. محموما جدا .. لقد تحطم الغطاء الجغرافي والمناخ القائم على هذه الأفعال الشنيعة .. ليتذكر أبناء كوكبنا الأرض أنهم بشر ضعفاء بكل الهشاشة الممكنة وكلنا من نسل آدم عليه السلام .. والباقي ليظل ذلك اللأحد .. وأننا نشعر ، لربما ، بل علينا أن نؤكد ذلك .. أنه حان الوقت لإعادة كل شيء إلى مساره الصحيح ... 

---- ماذا إذن .. لو كان لهذا الزلزال العديد من القوى الأخرى مسايرة في نفس (العمل) على مهاجمة مثلا البدور والجدور المتعفنة التي من المؤكد ستحصد من طرف زارعوها .. كلما حاولوا تدجين ذاكرتنا على هواهم وعلى حساب القيم المنسية وراء طموحاتنا .. فحتما سنكتشف أنفسنا فجأة متشابهين متحدين على قضية واحدة قضيتنا الإنسانية وأننا في نفس القارب لمواجهة العالم بأسره لأجلها .. ويظل التساؤل لِمَ لا يمكن أن يكون الأمر كذلك بالنسبة لمحاربة البؤس .. لكنا ربما أقل اتحادا للترحيب بالموت .. وماذا لو كان لهذا الزلزال الهبة الهائلة للتذكر ، تذكر ما هو ضروري حقا بالنسبة لنا .. استغلال الحياة في شقها الصحيح والصحي .. السفر ، النزهات .. بخلاصة : رؤية العالم من جوانب عدة بدل المكوث سجناء اللحظة والزمن ، علما أن المال لم يعد هو القاعدة وأن نظل حبيسي 

العيون المتحكمة من على نوافذهم ، بكل الاهتمام الشديد لرؤية كيفية تحركاتنا ، تعاملنا بغض النظر عن حجمنا وكيف يبدو لهم من الأعلى .. والحقيقة الصادمة فرغم هذه النظرة المتعالية اتجاهنا فنحن في الأصل .. نعلمهم  كيفية النظر إلى السماء والقيم النبيلة تضرعا برفع الأكف للدعاء ... 

---- عزاؤنا الدائم .. أنه لدينا دوما وأبدا الوقت الكافي للعائلة ، للم الشمل ، للجلوس على مائدة مستوى الأرض .. سخية في بساطتها .. رغيف ساخن و ماء عذب لنرتوي .. وحتى مع محيطنا الخارجي ، فإننا بذلك نقوي الروابط الاجتماعية وكل أواصر القرابة بشموخ المتواضعين عاملين على إعادة صياغة طقوسنا الثرية وشحذها بالأفكار ومقارنتها بباقي الاكتشافات على مدى التاريخ .. فكل يوم نسمع من شيوخنا ماذا لو أظهر لنا هذا الزلزال من هم الأبطال الحقيقيون .. ونقصد هنا ، أولئك الذين كانوا يكدحون بالفعل لأجلنا تنويرا عمق أفكارنا البعيدة .. والآن فقط هم من يتصدرون عناوين الأخبار .. الآن بعد أن أصبح الجسد تحت وزن الجبس الأبيض قبل أن نكتب عليه اسماءنا والفترة التي تليها نقلنا إلى المستشفى .. يختنق فينا السعال ، البؤس والحرمان .. هنا يكتشف قادتنا أن هنالك ما يدعو للقلق وسرعان ما يفتحوا لنا الخط الموصل إلى العناية المركزة .. فجأة نتعرف على أولئك الذين يساعدوننا لأجل أن نظل أحياء قيد العيش .. كلما أو بالأحرى عندما تختنق الإنسانية في طريقها إلى جميع خدماتنا العامة .. وإلى أولئك الذين ينظفون الشوارع ليل نهار من دون أن يصدر عنهم أي تشكٍ ولا تذمر .. ينقلون لنا أنفاس نقية من رئة شوارعنا .. ينتقلون بيننا كالملائكة بأخلاقهم .. لنجد أنفسنا أمام الاكتشاف الشفاف بكل الشفافية : كرسي الاعتراف ... 

---- لذلك وعندما يغادر هذا الزلزال .. لأنه لم يأت إلا بأمر من الله عز وجل .. تتولد الأسئلة تلو الأخرى  وكيف لها التوقف .. 

ماذا سيتبقى لنا جميعا كموعظة من كل هذه الآثار الجانبية !؟

هل نحن يقينا سنكسب وسنكتسب من كل ماخسرناه الجزاء الحسن أو بعضه !؟

هل سيكون لموتانا / ضحايانا وقع (مفيد) على الإنسانية جمعاء !؟

هل سيرفع لموتانا الاسم / اللقب المعهود (الشهداء / الشهيد) !؟

وأنتم (....) ماذا سيكون مصيركم !؟

وماذا ستكسبون !؟ 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

رائعة من روائع/ابن سورية/للشاعر /د جمال إسماعيل الجمهورية العربية السورية

من روائع المحاكاة للثنائي / الشاعر/علي عبود المناع /والشاعر/خالد محمد إبراهيم

رائعة من روائع/ "مذاقُ الجوى"/للشاعر المتمكن/ نظام صلاح/ فلسطين