قصة قصيرة تحت عنوان: مجوهرات أمي/للأديب الباحث / أحمد علي صدقي/المغرب

 قصة قصيرة تحت عنوان:

مجوهرات أمي


..

لما مات زوجها، الحارس بالعمارة، طردها السكان من بيتها بالسطح، بحجة أن البيت سيكون للحارس الجديد. أخذت كلبها وقطتها و دجاجاتها وهامت تبحث عن مسكن.. أخبرها أحدهم بوجود منزل مهجور بضواحي المدينة لكنه مقفل.. بحثت عن صاحبه.. التقت به.. حكت له قصتها.. منحها السكنى بالمجان.. 

في صباح اليوم الأول، وهي تطعم دجاجاتها بعض الخبز اليابس، وتخاطب كلبها بخفت نباحه سمعت دقات متتابعة بالباب.. خرجت.. وجدت رجلا بوجه مكفهر ومحيا يعلن الغضب.

قال لها، قبل أن تقول أي شيء، وبكلام خشن:

اسمعيني جيدا أيتها المرأة. أنا رجل أبحث عن راحتي وراحة أمي، فلا أطيق نباح الكلاب، ولا مواء القطط، ولا نقنقة الدجاج.. أمي مريضة وإزعاجك، أنت وحيواناتك، ما يزيدها إلا مرضا..

قالت في نفسها: أبسببك هجر هذا البيت؟ ثم أردفت:

- اعذرني سيدي، فأنا امرأة وحيدة وليس لي إلا هذه الحيوانات استأنس بها. واسترزق منها..

قال لها بشدة:

- أريد هدوؤا، ولا يهمني ما يهمك.. ابعدي عني صداعك وإلا قدمت بك شكوى بإساة الجوار.

قالت وهي تستعطفه:

افهمني يا جاري. "عار الجار على الجار". واعلم أنني لن أسمح لنفسي بإزعاجك. وإن نبح كلبي أو ماءت قطتي أو نقنقت دجاجاتي فليكن هذا عندك طبيعي. ولا تلمني.. 

قال بكل صوته:

-إذن بيني وبينك القضاء. وعليه أن يحكم بيننا. ثم تركها وانصرف.

جمعت المرأة حيواناتها وأدخلتها لبيت و أقفلت عليها الباب..

كانت خائفة وتنتظر الأسوء. فكلما سمعت حركة بالباب، ظنت أن واحدا من مساعدي الشرطة أتى ليأخذها أو يأخذ حيوانتها للمخفر...

بعد أسبوع من المعانات والخوف، وفي صبيحة هذا اليوم، رأت جارها بباب داره يحاول مساعدة أمه على الوقوف وهي تتمايل غير قادرة عليه. تألمت لها وله. جرت لمساعدته. طردها.. ألحت عليه.. تظاهر بقبول المساعدة وهو يبصق يمنة ويسرة. 

ذهبت معه الى المستشفى، و بعد العودة ظلت هي من تمرض أمه، فأحبتها المرأة والحت على ابنها بحسن معاملتها.. 

بعد أيام قليلة، انتهى أجلها وماتت.. 

حزن الرجل على أمه، وظلت المرأة من تواسيه واستمرت في مساعدته رغم كراهيته لها.. كانت، كلما طبخت ببيتها طعاما، تناوله شيئا منه. حتى أنها أشارت عليه مرة بتنظيف بيته، لكنه أبى ودعاها لأن تتركه وشأنه..

ما تخلت عنه ولا تركته بل تمادت في مساعدته رغم كره لها. كان الرجل يكره منها تعففها و حشمتها، وخصوصا تحجبها. فهي ما كانت لتخرج إلا وهي محجبة مما زاده كره لها. كان كلما رآها ردد في نفسه: خيمة سوداء تمشي فوق الأرض.. فيبصق على جنبيه يمنة ويسرة..

بعد مدة طالت، و ذات صباح، سمعت دقات متتابعة بالباب. أخذ منها الفزع مأخذا.. خرجت.. وجدت الرجل وهو يحمل بيده أشياء. قال لها بصوت خافت وكأنه رجل آخر:

هذه أشياء أمي ومنها هذه العلبة أوصتني بتقديمها لك بعد موتها. خذيها وبيعي ما بها و اصرفيها على نفسك وسامحيني على تصرفي. لقد قررت الرحيل بعيدا عنك، حتى أتركك تنعمين بطمأنينة تستحقينها أنت وحيواناتك.

قالت له بخجل:

- لمن تتركني يا جاري، وقد ألفتك؟ 

قدم لها العلبة.. فتحتها.. وجدت بها من الأشياء ما أذهلها.

تبسمت وقالت له وهي خجولة:

- أكل هذا لي؟ وبأي مناسبة؟

قال:

- إنها فقط وصية أمي عملت بها.. وأنت تستحقين أكثر من هذا..

قالت وهي تبتسم:

- لو اتخذتها لي صداقا، وتقدمت لخطبتي مني.. 

ضحك بخجل، ثم قبَّل يدها ودخل بيته. ابتسم.. فهمت موقفه. دخلت بيتها وهي تقبل العلبة و فرحة تغمرها ما شعرت بمثلها إلا يوم زواجها الأول...

أحمد علي صدقي/المغرب.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

رائعة من روائع/ابن سورية/للشاعر /د جمال إسماعيل الجمهورية العربية السورية

من روائع المحاكاة للثنائي / الشاعر/علي عبود المناع /والشاعر/خالد محمد إبراهيم

رائعة من روائع/ "مذاقُ الجوى"/للشاعر المتمكن/ نظام صلاح/ فلسطين