روائع القصص/ قصة قصيرة/هديّة العيد/للشاعر الجزائري /عبدالستار عمورة


 قصة قصيرة

هديّة العيد

كان يقود سيّارته الفارهة،وكلّه غبطة.

كيف لا،و أميرته الصّغيرة بجانبه؛هي متنفّسه الوحيد في هذه الحياة.

-"ألم تترك شيئا في السيّارة يا أبي..؟!"

همست في أذنه،مطوّقة عنقه،لفترة من الوقت.

طبع على خدّها قبلة دافئة:

-لا أدري عزيزتي..!

امتدت يدها الصّغيرة،إلى جيب تنّورتها البيضاء،بياض الثّلج النّاصع.

أخرجت مفاتيح سيارته الفاخرة،راحت تلوّح بهم على مرأى من عينيه،مرسلةضحكات ملائكيّة أخّاذة.

ضمّها بقوّة:

-"بنتي فحلة كما النّحلة.."!

زادها هذا المدح ثقة في نفسها:

-"ربّي يخليك ليّا يا بابا.."!

هامت ببصرها في الفساتين المعروضة،أشكالا وألوانا.

انفردت بنفسها،راحت تتمايل بعودها الرّشيق، كغصن البان.

تجاوب معه شعرها المنسدل؛ممازحا حلكة اللّيل،و بريق النّجوم.

 تابع حركاتها الصّبيانيّة البريئة،بعين معجبة.

أبهجها فستان في لون أزهار الرّبيع، و بسمة شقائق النّعمان، و رقّة البنفسج.

استدارت إليه في حركة بهلوانيّة:

-سآخذه،أعجبني كثيرا..!

ابتسم ابتسامة عريضة،بعثت الإنشراح في قلبه.

بصوت خافت:

-لك ما تريدين حبيبتي..!

 قبل أن يغادرا؛رمقت فتاة بأسمال بالية،و رجل حافية،متسمّرة أمام الواجهة،كوتد جديب؛قد تاقت مهجتها لهديّة العيد.

 لقد وعدتها بها أمّها ذات يوم،لتهدّئ فؤادها المكلوم؛قبل أن تغادر لعالم أرحب.

 هاهو الجوع يعصر بطنها الضّامر،مع شظف العيش،و عناد الأيّام.

نظرت إليها مليّا،و الشّمس تداعب الخلائق، بأشعّتها الذّهبية الدّافئة،لصبيحة باردة من يناير المصقع.

اقتربت منها،ربّتت على كتفها:

-أأعجبك هذا الفستان المعروض؟

انفرجت أساريرها،ظهرت على شفتيها القرمزيّتين المتجمّدتين بسمة باردة،اكتسحت محياها،مع أسنان ناصعة،في لمعان اللّؤلؤ المكنون.

 بصوت فيه بحّة ملفتة أجابت:

-أعجبني كثيرا..!

مسحت على شعرها المجعّد براحتها:

-تفضّلي،هذا لك..!

بيد مرتجفة،من عضّة البرد والجليد،

أطبقت على الكيس..ابتسمت ابتسامة متعبة..أومأت شاكرة.

طفق المشهد ينخر قلبه،و هو يتابع ابنته،و ما فعلته.

اتّقد جمر كانونه الخامد، منذ أمد بعيد. استيقظ ضميره الغارق،و ملاذ الدّنيا.

أسرع إلى التّعيسة الحافيّة،قام بالواجب على أكمل وجه.

عانقته وحيدته؛نسي لتوّه متاعب يومه.

على مقربة منهم،عبقت بأريجها،شجرة الياسمين، ناثرة أزهارها البيضاء،مع هبوب نسمة رقيقة؛ لقد نبّهت أرواحا،مافتئت هائمة في غياهب المتاهات، غير آبهة لطفولة باتت مكلومة الفؤاد.

الكاتب: عبد الستار عمورة الجزائر

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

رائعة من روائع/ابن سورية/للشاعر /د جمال إسماعيل الجمهورية العربية السورية

من روائع المحاكاة للثنائي / الشاعر/علي عبود المناع /والشاعر/خالد محمد إبراهيم

رائعة من روائع/ "مذاقُ الجوى"/للشاعر المتمكن/ نظام صلاح/ فلسطين