رائعة من روائع /وهذه السنة /للشاعرة:سابرينا عشوش

قصيدة /.... 


 "وهذه السَّنة"


… وهذه السَّنة …

تدلّت من جدار الرؤى كقنديلٍ انتحرَ من فرط البصيرة،

عرّت قدميها فوق تُرابٍ أعمى

ومشتْ على مهدٍ فقدَ أصواته.

سنةٌ من نارٍ تلتهمُ حصيدها،

ترفض أن تُضافَ خرزةً أخرى

إلى مسبحةٍ شاختْ من كثرةِ الكذب.

هي النقطةُ التي توقّف عندها العدُّ،

حيثُ تَكِسُّرتْ حركةُ الزمن 

وتحوّل المجرى إلى صمتٍ من زجاجٍ يقطرُ بردًا.


… وهذه السَّنة …


انفلق جوهرُها لا من صدمة،

بل من إرهاقٍ أطفأ لمعانَ الأشياء.

جفّ العمرُ على هيئةِ مقعدٍ يراقبُ

تدويرَ الزجاج المكسور،

بينما الصدى نفسه

تحوّل إلى نوحِ عقاربَ تُجلَدُ داخل ساعتها.


… وهذه السَّنة …


رأيتُ كيف تتجعّد ابتسامةُ الظلال

قبل أن يحينَ موسمُ الورد.

الأمنياتُ سئِمتْ الطريقَ الذي لا يتغيّر،

والأشهرُ الفتيّةُ

انفجرتْ فيها خيبةٌ تبحث عن بابٍ للهرب

في متحف الانتظار.


… وهذه السَّنة …


وقفتْ عاريةً أمام الحقيقة.

رمت لحاف التردّد

وعانقتْ الاحتراق كما يُعانَق أوّلُ اعتراف.

سقطت أوراقُ التاريخ

قبل أن يأذن لها الخريف،

وصاحت أضلاعُ المهد:

الحقيقة ليست طفلة…

إنها مسنّةٌ قاسيةٌ لا تعرفُ الرِّفق.


… وهذه السَّنة …


استيقظ الضميرُ الذي سُكّر بالنوم قسرًا،

وانفلقت الصحوة

كشعاعٍ يتسرّبُ من شقّ الزمن.

انهار أرشيفُ المخازي دفعةً واحدة،

فاتسعتْ عيونُ الأزقّة التي كانت تنكمش خوفًا،

ورأت العالم بلا قناع.

انتعش لعابُ الصور

في أفواه الكلمات اليابسة،

وتزاحمت الحروف في انتفاضةٍ أخيرة

تُدعى —إنسانية.


هي المذبحُ الذي طال انتظاره

في أحشاء الرؤى المنهكة؛

فالخيرُ ليس إلا ميراثًا عقيمًا

يموتُ على صفحة الورق.

والوجودُ، كي ينجو،

لا بد أن يسلّم جسده لجرّاح العدم

ليبتُر كلّ زائدةٍ فاسدة

من جثمان زمنٍ

أكلهُ التفسّخُ والتعفّن.


… وهذه السَّنة …


لن تنطفئ بهدأة،

بل بصرخة الطفولة المقتولة أولًا،

تلك الصرخةُ التي تحوّلت

إلى قنبلة يقين لا تخطئها العين.

هي مفتاحُ بابٍ باطنيّ

انفتح قسرًا على معرض النهايات،

كي يرى العالم—

أنه ما كان يرقص

إلا في عرسٍ مؤجَّل

لقيامته الخاصة.


… وهذه السَّنة …


تمزّقت أستارُ العمى،

واستوى الضوءُ على قاع الحقيقة.

اهتزّت حبالُ الروح

لا نحو الوداع

بل نحو ميلادٍ أشدّ،

لأن الهواء لم يعد يكفي

إلا لرئةٍ تُصدّق نفسها

وسط زحام الزيف.

هناك،

حيث لا عفوٌ ولا رجعة،

تبدأ قوى


العقم عملها،

ليترك غبار الفقد مقعده

لبذرةِ كبرياء

ستأتي —

دون موعد.


سابرينا عشوش

@à la une 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

رائعة الروح/للشاعر ...... أسمهان سعيد✍️

رائعة/كيف_تُسالِمُ_قاتِلَكْ/للشاعر المتمكن متولي عيسىٰ

دراسة نقدية وتحليلية لقصيدة "مرثيّات الأرق" للشاعر سعيد هجيري موسى