رائعة من رواائع/ "خضراء بلون الجنة"/للشاعرة:سابرينا عشوش

قصيدة /....


 "خضراء بلون الجنة"



في غرفةٍ تُضاءُ بمصابيحِ القيامة،

أجلسُ بينَ المدى والعدم،

أُمسكُ المشرطَ كما تُمسكُ القصيدةُ قلبَها،

أخيطُ الغيابَ بخيطٍ من ضوءٍ،

وأُعيدُ ترتيبَ النبضِ كما يُرتَّبُ الأملُ في جسدٍ مُنهك.


بلوزتي الخضراءُ

تتنفّسُ معي ككائنٍ يعرفُ سرَّ البقاء،

لونُها ليسَ لونَ قماشٍ،

بل ظلُّ حياةٍ يُقاومُ الموتَ في كلِّ ومضة.


حينَ أنحني على صدرٍ يتهيّأُ للغياب،

أشعرُ أنني أفتحُ بوابةَ الله بيدي،

أنَّ المشرطَ صلاةٌ،

وأنّ الدمَ آيةٌ منقوشةٌ بالحزنِ النبيل.

يرتجفُ الدعاءُ،

وتتدلّى منهُ خيوطُ الرحمةِ كأهدابِ نجاة.


كم مرّةٍ سمعتُ للحمِ أنينَهُ كطفلٍ يريدُ أن يولدَ من جديد،

وكم مرّةٍ غفرتُ للفناءِ حينَ حاولَ أن يسرقَ النورَ من وريدٍ حيّ.


أنا التي تُمسكُ النبضَ كما يُمسكُ العاشقُ معناه،

أُحادثُ الزمنَ كي يُمهلني دقيقةً،

أقولُ له:

"قليلٌ من الضوءِ يا حياةُ،

قليلٌ من الرحمةِ قبلَ أن تُغلقَ السماء."


لونُ ثوبي الأخضر،

حدٌّ بين دمٍ ورجاء،

يُخفي فداحةَ الأحمرِ،

ويُخبرُ العينَ أنَّ النجاةَ ليست في الرؤية،

بل في الصبر.


يا لون الشفاء

يا رايةَ الطمأنينةِ على كتفي،

كم مرّةٍ احتضنتِ رعشةَ الخوف،

وأخفيتِ عني وجعَ الفناء؟

كم مرّةٍ كنتِ ستارًا بيني وبين انهياري؟


أنا لستُ جرّاحةً فقط،

بل كاهنةٌ في معبدِ العظم،

أصلّي ساجدةً وأبتهلُ للنبض،

أقولُ:

"اللهمَّ أعِدْهُ للحياة،

لكن لا تُعِدْهُ إلى القسوة."


وحين تنتهي المهمةُ،

ويُغسلُ اللونُ من وجعِه،

يبقى على كُمّي أثرُ دمعةٍ لم تجفّ،

وطيفُ أخضرٍ يشبهُ الجنة،

كأنّ الرحمةَ مرّتْ من هنا،

ولبثتْ على جلدي قليلاً.


وحينَ يسكتُ الضجيجُ من حولي،

وتغفو الأجهزةُ كملائكةٍ أنهكَها الدعاء،

أبقى أنا وحدي،

أغسلُ يديَّ من دمٍ لا يزولُ،

دمٍ أعرفُ أنَّهُ ليسَ غريبًا —

إنّهُ منّي، أمانةُ الحياة.


أخلعُ اليخضورَ عنّي،

كمن يخلعُ عن قلبهِ قميصَ المعجزة،

فأكتشفُ أنَّ اللونَ تسلّلَ إلى روحي،

صارَ وريدًا جديدًا في صدري،

يربطني بالحياةِ التي أُحييها

ولا أعيشُها.


أتساءلُ:

كم من الأرواحِ خُيّطتْ على يدي

بينَ الغيابِ والبقاء؟

وكم من النبضاتِ عادتْ إليهم،

لكن لم تعدْ إليَّ نبضتي؟


في مرآةِ الغرفةِ أرى وجهي،

نصفُهُ من نورِ المرسول،

ونصفُهُ من ظلالِ الحنين،

كأنَّ الله تركَ على ملامحي أثرَ رحمته،

ولم يُكملني، بل رحمَني.


أجلسُ على حافةِ التعب،

أضعُ المشرطَ كقلمٍ فوق المائدة،

وأكتبُ به على هواءِ الليل:

"أنا من تُخيطُ الحياةَ بخيطٍ من غفران لا داءاً بل دواءٌ 

وتتركُ على كلّ صدرٍ ندبةً،

وفي صدرها نزيفٌ لا يُرى."


ظلي الأخضر معلّقٌ الآن،

يفوحُ منهُ عطرُ التعافي والدمع،

كأنَّه شاهدٌ على معركةٍ

لم ينتصرْ فيها أحد،

بل اكتفى الكلُّ بأنْ يتنفّس.


وهكذا...

ينتهي اليومُ في غرفةِ القيامة،

وأبدأُ أنا جراحتي الأخرى —

جراحةَ القلبِ الذي أنهكهُ الإنقاد


سابرينا عشوش 


@à la une

@à la une 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

رائعة الروح/للشاعر ...... أسمهان سعيد✍️

رائعة/كيف_تُسالِمُ_قاتِلَكْ/للشاعر المتمكن متولي عيسىٰ

دراسة نقدية وتحليلية لقصيدة "مرثيّات الأرق" للشاعر سعيد هجيري موسى