تحفة فنية/«بكاءُ المآذن» للشاعرة :سابرينا عشوش
قصيدة /...
«بكاءُ المآذن»
سلاما لمن لم يجلس
ولم يضع قلبه على مقعد ينتظر أحدا
في ساحة تتبدل ملامحها كلما فرت الريح من نفسها
ويومي يضيق كلما اتسعت في عنادا
وتتنقل الظلال مثل أفكار تبحث عن صاحبها
وتتناثر الأوراق
لا تدري أتنزل من خريف
أم من ذاكرة تعبت من حمل مواسمها
والليل يمسح وجهه على زجاج الوقت
والصمت
ذاك الصمت الذي يشبهني
يتدرب على التنفس
كأنني أغيّر موسيقى قلبي لئلا يسمعني أحد
وصوت بعيد
يرفع شيئا يشبه كأسا
كأنه يحتفل بخطوة لم أخطها
وبشارع تركته نصف عبور
وينحني علي بلا صوت
سلاما لمن مرّ فيّ كسحابة متعجلة
ولم أرفع وجهي لأرى المطر
وسلاما للذين عبروا
وبقي فيّ أثر طريق
لم أرد يوما أن أمشيه
ولا استطعت بعد نسيانه
وهناك
كل أصوات جرس الكنائس
تبكي مساجدها المهدمة
وتقرع رأسي
كأنها تستعيد آخر آذان
علِق في هواء لم يعد يعرف كيف يتنفس
ولوطن لم يعد يشبهني
تجهش السماء بالبكاء
وتبلل أمطارها خدودي
كأنها تعتذر عن غيمة ضلت طريقها
وقلبي
يلمّه سقيع الأرواح
يشد شتاته
كما تشد أم كفنا على جرح لا يندمل
وها هو الركام
يتمدّد مثل صلاة كسيرة
وبلد يصلّي أهله
لا على قبلة نور
بل على قبلة دمار
تغيّر اتجاهها
حتى صارت السجادة رمادا
والركوع انحناءة وجع
والسجود محاولة للنجاة من السقوط
وفي بلد
ينام الدعاء فيه فوق الأنقاض
وتنهض المآذن مكبّلة بالألم
كأنها تنادي من تحت الحجر
لم يبق من الوطن
إلا صمت الله فيه
ومع ذلك
أمشي فوق الخراب
كما تمشي أرملة على أسماء تعرفها
وأسنِد روحي لجدار يشبه ظل أبي
حين كان يعود من صلاة الفجر
بوجه مطمئن
قبل أن يتعلّم الوطن
كيف يبتلع الآمنين
أبحث عن رائحة بيت
لم يبق منه سوى حجر واحد
وحجر آخر
يشهد أن الضحكة كانت تسكن هنا
وكل شيء صار مائلا
الطرقات
النوافذ
حتى القلب
لم يعد يعرف من أين يبدأ النزيف
وفي الركن الأخير
تجلس البلاد
مثل امرأة ثكلى
تجمع مجازرها في عباءة الليل
وتسأل نفسها
هل يمكن لتراب شرب هذا القدر من الدم
أن يعود وطنا
ثم ترفع رأسها إلي
وتهمس كمن يتشبث بآخر الرجاء
إن عدت إلي
أقسم أن ألملمك
ولو من بين العظام
سابرينا عشوش
Raneen Emaad Tahtah

Commentaires
Enregistrer un commentaire